الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله: (باب كم بين الأذان والإقامة) أما " باب " فهو في روايتنا بلا تنوين و " كم " استفهامية ومميزها محذوف وتقديره ساعة أو صلاة أو نحو ذلك، ولعله أشار بذلك إلى ما روي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال " اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته " أخرجه الترمذي والحاكم لكن إسناده ضعيف، وله شاهد من حديث أبي هريرة ومن حديث سلمان أخرجهما أبو الشيخ ومن حديث أبي بن كعب أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وكلها واهية، فكأنه أشار إلى أن التقدير بذلك لم يثبت. وقال ابن بطال: لا حد لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين، ولم يختلف العلماء في التطوع بين الأذان والإقامة إلا في المغرب كما سيأتي. ووقع هنا في رواية نسبت للكشميهني " ومن انتظر الإقامة " وهو خطأ فإن هذا اللفظ ترجمة تلي هذه. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ ثَلَاثًا لِمَنْ شَاءَ الشرح: قوله: (حدثنا إسحاق الواسطي) هو ابن شاهين، ويحتمل أن يكون هو الذي عناه الدمياطي ونقلناه عنه في الذي مضى، لكني رأيته كما نقلته أولا بخط القطب الحلبي، وقد روى البخاري عن إسحاق بن وهب العلاف وهو واسطي أيضا لكن ليست له رواية عن خالد وهو ابن عبد الله الطحان، والجريري سعيد بن أياس وهو بضم الجيم كما تقدم في المقدمة، ووقع مسمى في رواية وهب بن بقية عن خالد عند الإسماعيلي وهي إحدى فوائد المستخرجات، وهو معدود فيمن اختلط، واتفقوا على أن سماع المتأخرين منه كان بعد اختلاطه وخالد منهم، لكن أخرجه الإسماعيلي من رواية يزيد بن زريع وعبد الأعلى وابن علية وهم ممن سمع منه قبل اختلاطه، وهي إحدى فوائد المستخرجات أيضا، وهو عند مسلم من طريق عبد الأعلى أيضا، وقد قال العجلي إنه من أصحهم سماعا من الجريري، فإنه سمع منه قبل اختلاطه بثمان سنين، ولم ينفرد به مع ذلك الجريري بل تابعه عليه كهمس بن الحسن عن ابن بريدة، وسيأتي عند المصنف بعد باب. وفي رواية يزيد ابن زريع من الفوائد أيضا تسمية ابن بريدة عبد الله والتصريح بتحديثه للجريري. قوله: (بين كل أذانين) أي أذان وإقامة، ولا يصح حمله على ظاهره لأن الصلاة بين الأذانين مفروضة، والخير ناطق بالتخيير لقوله " لمن شاء"، وأجرى المصنف الترجمة مجرى البيان للخبر لجزمه بأن ذلك المراد، وتوارد الشراح على أن هذا من باب التغليب كقولهم القمرين للشمس والقمر، ويحتمل أن يكون أطلق على الإقامة أذان لأنها إعلام بحضور فعل الصلاة، كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت، ولا مانع من حمل قوله " أذانين " على ظاهره لأنه يكون التقدير بين كل أذانين صلاة نافلة غير المفروضة. قوله: (صلاة) أي وقت صلاة، أو المراد صلاة نافلة، أو نكرت لكونها تتناول كل عدد نواه المصلي من النافلة كركعتين أو أربع أو أكثر. ويحتمل أن يكون المراد به الحث على المبادرة إلى المسجد عند سماع الأذان لانتظار الإقامة، لأن منتظر الصلاة في صلاة، قاله الزين بن المنير. قوله: (ثلاثا) أي قالها ثلاثا، وسيأتي بعد باب بلفظ " بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة " ثم قال في الثالثة " لمن شاء " وهذا يبين أنه لم يقل لمن شاء إلا في المرة الثالثة، بخلاف ما يشعر به ظاهر الرواية الأولى من أنه قيد كل مرة بقوله " لمن شاء". ولمسلم والإسماعيلي " قال في الرابعة لمن شاء " وكأن المراد بالرابعة في هذه الرواية المرة الرابعة، أي أنه اقتصر فيها على قوله " لمن شاء " فأطلق عليها بعضهم رابعة باعتبار مطلق القول، وبهذا توافق رواية البخاري. وقد تقدم في العلم حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا وكأنه قال بعد الثلاث " لمن شاء " ليدل على أن التكرار لتأكيد الاستحباب. وقال ابن الجوزي: فائدة هذا الحديث أنه يجوز أن يتوهم أن الأذان للصلاة يمنع أن يفعل سوى الصلاة التي أذن لها، فبين أن التطوع بين الأذان والإقامة جائز في حديث أنس، وقد صح ذلك في الإقامة كما سيأتي. ووقع عند أحمد " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت " وهو أخص من الرواية المشهورة " إلا المكتوبة". الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ الْمُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ شَيْءٌ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ جَبَلَةَ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا قَلِيلٌ الشرح: قوله في حديث أنس (كان المؤذن إذا أذن) في رواية الإسماعيلي " إذا أخذ المؤذن في أذان المغرب". قوله: (قام ناس) في رواية النسائي " قام كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " وكذا تقدم للمؤلف في أبواب ستر العورة. قوله: (يبتدرون) أي يستبقون. و (السواري) جمع سارية، وكأن غرضهم بالاستباق إليها الاستتار بها ممن يمر بين أيديهم لكونهم يصلون فرادى. قوله: (وهم كذلك) أي في تلك الحال. وزاد مسلم من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس: " فيجيء الغريب فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما". قوله: (ولم يكن بينهما) أي الأذان والإقامة. قوله: (شيء) التنوين فيه للتعظيم، أي لم يكن بينهما شيء كثير، وبهذا يندفع قول من زعم أن الرواية المعلقة معارضة للرواية الموصولة، بل هي مبينة لها، ونفي الكثير يقتضي إثبات القليل، وقد أخرجها الإسماعيلي موصولة من طريق عثمان بن عمر عن شعبة بلفظ " وكان بين الأذان والإقامة قريب " ولمحمد بن نصر من طريق أبي عامر عن شعبة نحوه. وقال ابن المنير: يجمع بين الروايتين يحمل النفي المطلق على المبالغة مجازا، والإثبات للقليل على الحقيقة. وحمل بعض العلماء حديث الباب على ظاهره فقال: دل قوله " ولم يكن بينهما شيء " على أن عموم قوله " بين كل أذانين صلاة " مخصوص بغير المغرب، فإنهم لم يكونوا يصلون بينهما بل كانوا يشرعون في الصلاة في أثناء الأذان ويفرغون مع فراغه. قال: ويؤيد ذلك ما رواه البزار من طريق حيان بن عبيد الله عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مثل الحديث الأول، وزاد في آخره " إلا المغرب " ا ه. وفي قوله " ويفرغون مع فراغه " نظر لأنه ليس في الحديث ما يقتضيه، ولا يلزم من شروعهم في أثناء الأذان ذلك، وأما رواية حيان وهو بفتح المهملة والتحتانية فشاذة لأنه وإن كان صدوقا عند البزار وغيره لكنه خالف الحفاظ من أصحاب عبد الله بن بريدة في إسناد الحديث ومتنه، وقد وقع في بعض طرقه عند الإسماعيلي: وكان بريدة يصلي ركعتين قبل صلاة المغرب فلو كان الاستثناء محفوظا لم يخالف بريدة روايته. وقد نقل ابن الجوزي في الموضوعات عن الفلاس أنه كذب حيانا المذكور. وقال القرطبي وغيره: ظاهر حديث أنس أن الركعتين بعد المغرب وقبل صلاة المغرب كان أمرا أقر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليه وعملوا به حتى كانوا يستبقون إليه، وهذا يدل على الاستحباب، وكأن أصله قوله صلى الله عليه وسلم: " بين كل أذانين صلاة". وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يصلهما فلا ينفي الاستحباب، بل يدل على أنهما ليستا من الرواتب. وإلى استحبابهما ذهب أحمد وإسحاق وأصحاب الحديث، وروى عن ابن عمر قال: ما رأيت أحدا يصليهما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الخلفاء الأربعة وجماعة من الصحابة أنهم كانوا لا يصلونهما. وهو قول مالك والشافعي، وادعى بعض المالكية نسخهما فقال: إنما كان ذلك في أول الأمر حيث نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، فبين لهم بذلك وقت الجواز، ثم ندب إلى المبادرة إلى المغرب في أول وقتها، فلو استمرت المواظبة على الاشتغال بغيرها لكان ذلك ذريعة إلى مخالفة إدراك أول وقتها. وتعقب بأن دعوى النسخ لا دليل عليها، والمنقول عن ابن عمر رواه أبو داود من طريق طاوس عنه، ورواية أنس المثبتة مقدمة على نفيه، والمنقول عن الخلفاء الأربعة رواه محمد بن نصر وغيره من طريق إبراهيم النخعي عنهم، وهو منقطع، ولو ثبت لم يكن فيه دليل على النسخ ولا الكراهة. وسيأتي في أبواب التطوع أن عقبة بن عامر سأل عن الركعتين قبل المغرب فقال: كنا نفعلهما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قيل له: فما يمنعك الآن؟ قال: الشغل. فلعل غيره أيضا منعه الشغل. وقد روى محمد بن نصر وغيره من طرق قوية عن عبد الرحمن بن عوف وسعد ابن أبي وقاص وأبي بن كعب وأبي الدرداء وأبي موسى وغيرهم أنهم كانوا يواظبون عليهما. وأما قول أبي بكر ابن العربي: اختلف فيها الصحابة ولم يفعلها أحد بعدهم، فمردود بقول محمد بن نصر، وقد روينا عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون الركعتين قبل المغرب، ثم أخرج ذلك بأسانيد متعددة عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى وعبد الله بن بريدة ويحيى بن عقيل والأعرج وعامر بن عبد الله بن الزبير وعراك بن مالك، ومن طريق الحسن البصري أنه سأل عنهما فقال: حسنتين والله لمن أراد الله بهما. وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: حق على كل مؤمن إذا أذن المؤذن أن يركع ركعتين. وعن مالك قول آخر باستحبابهما. وعند الشافعية وجه رجحه النووي ومن تبعه. وقال في شرح مسلم: قول من قال إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها خيال فاسد منابذ للسنة، ومع ذلك فزمنهما زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها. قلت: ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما كما في ركعتي الفجر، قيل والحكمة في الندب إليهما رجاء إجابة الدعاء، لأن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد، وكلما كان الوقت أشرف كان ثواب العبادة فيه أكثر، واستدل بحديث أنس على امتداد وقت المغرب، وليس ذلك بواضح. (تنبيهان) : (أحدهما) مطابقة حديث أنس للترجمة من جهة الإشارة إلى أن الصحابة إذا كانوا يبتدرون إلى الركعتين قبل صلاة المغرب مع قصر وقتها فالمبادرة إلى التنقل قبل غيرها من الصلوات تقع من باب الأولى، ولا يتقيد بركعتين إلا ما ضاهى المغرب في قصر الوقت كالصبح. (الثاني) : لم تتصل لنا رواية عثمان بن جبلة - وهو بفتح الجيم والموحدة - إلى الآن. وزعم مغلطاي ومن تبعه أن الإسماعيلي وصلها في مستخرجه، وليس كذلك، فإن الإسماعيلي إنما أخرجه من طريق عثمان بن عمر، وكذلك لم تتصل لنا رواية أبي داود وهو الطيالسي فيما يظهر لي، وقيل هو الحفري بفتح المهملة والفاء. وقد وقع لنا مقصود روايتهما من طريق عثمان بن عمر وأبي عامر ولله الحمد. *3* الشرح: قوله: (باب من انتظر الإقامة) موضع الترجمة من الحديث قوله " ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن " وأوردها مورد الاحتمال تنبيها على اختصاص ذلك بالإمام لأن المأموم مندوب إلى إحراز الصف الأول، ويحتمل أن يشارك الإمام في ذلك من كان منزله قريبا من المسجد، وقيل يستفاد من حديث الباب أن الذي ورد من الحض على الاستباق إلى المسجد هو لمن كان على مسافة من المسجد، وأما من كان يسمع الإقامة من داره فانتظاره للصلاة إذا كان متهيئا لها كانتظاره إياها في المسجد، وفي مقصود الترجمة أيضا ما أخرجه مسلم من حديث جابر بن سمرة قال " كان بلال يؤذن ثم لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم". الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ الشرح: قوله: (حدثنا عبدة) هو ابن سليمان، وبقية الإسناد والمتن تقدم بأتم سياق في الباب الذي قبله. *3* الشرح: قوله: (باب بين كل أذانين صلاة) تقدم الكلام على فوائده قبل باب، وترجم هنا بلفظ الحديث، وهناك ببعض ما دل عليه. *3* الشرح: قوله: (باب من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد) كأنه يشير إلى ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح " أن ابن عمر كان يؤذن للصبح في السفر أذانين " وهذا مصير منه إلى التسوية بين الحضر والسفر، وظاهر حديث الباب أن الأذان في السفر لا يتكرر، لأنه لم يفرق بين الصبح وغيرها، والتعليل الماضي في حديث ابن مسعود يؤيده، وعلى هذا فلا مفهوم لقوله مؤذن واحد في السفر لأن الحضر أيضا لا يؤذن فيه إلا واحد، ولو احتج إلى تعددهم لتباعد أقطار البلد أذن كل واحد في جهة ولا يؤذنون جميعا، وقد قيل أن أول من أحدث التأذين جميعا بنو أمية. وقال الشافعي في " الأم ": وأحب أن يؤذن مؤذن بعد مؤذن ولا يؤذن جماعة معا، وإن كان مسجد كبير فلا بأس أن يؤذن في كل جهة منه مؤذن يسمع من يليه في وقت واحد. الحديث: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا قَالَ ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ الشرح: قوله: (باب الأذان للمسافرين) كذا للكشميهني وللباقين " للمسافر " بالإفراد، وهو للجنس. قوله: (إذا كانوا جماعة) هو مقتضى الأحاديث التي أوردها، لكن ليس فيها ما يمنع أذان المنفرد، وقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول: إنما التأذين لجيش أو ركب عليهم أمير فينادى بالصلاة ليجتمعوا لها، فأما غيرهم فإنما هي الإقامة. وحكى نحو ذلك عن مالك. وذهب الأئمة الثلاثة والثوري وغيرهم إلى مشروعة الأذان لكل أحد، وقد تقدم حديث أبي سعيد في " باب رفع الصوت بالنداء " وهو يقتضي استحباب الأذان للمنفرد، وبالغ عطاء فقال: إذا كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة، ولعله كان يرى ذلك شرطا في صحة الصلاة أو يرى استحباب الإعادة لا وجوبها. قوله: (والإقامة) بالخفض عطفا على الأذان، ولم يختلف في مشروعية الإقامة في كل حال. قوله: (وكذلك بعرفة) لعله يشير إلى حديث جابر الطويل في صفة الحج، وهو عند مسلم، وفيه أن بلالا أذن وأقام لما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر يوم عرفة. قوله: (وجمع) بفتح الجيم وسكون الميم هي مزدلفة، وكأنه أشار بذلك إلى حديث ابن مسعود الذي ذكره في كتاب الحج وفيه: أنه صلى المغرب بأذان وإقامة. ، والعشاء بأذان وإقامة، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. قوله: (وقول المؤذن) هو بالخفض أيضا. *3* وَكَذَلِكَ بِعَرَفَةَ وَجَمْعٍ وَقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ الشرح: قوله: (باب الأذان للمسافرين) كذا للكشميهني وللباقين " للمسافر " بالإفراد، وهو للجنس. قوله: (إذا كانوا جماعة) هو مقتضى الأحاديث التي أوردها، لكن ليس فيها ما يمنع أذان المنفرد، وقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول: إنما التأذين لجيش أو ركب عليهم أمير فينادى بالصلاة ليجتمعوا لها، فأما غيرهم فإنما هي الإقامة. وحكى نحو ذلك عن مالك. وذهب الأئمة الثلاثة والثوري وغيرهم إلى مشروعة الأذان لكل أحد، وقد تقدم حديث أبي سعيد في " باب رفع الصوت بالنداء " وهو يقتضي استحباب الأذان للمنفرد، وبالغ عطاء فقال: إذا كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة، ولعله كان يرى ذلك شرطا في صحة الصلاة أو يرى استحباب الإعادة لا وجوبها. قوله: (والإقامة) بالخفض عطفا على الأذان، ولم يختلف في مشروعية الإقامة في كل حال. قوله: (وكذلك بعرفة) لعله يشير إلى حديث جابر الطويل في صفة الحج، وهو عند مسلم، وفيه أن بلالا أذن وأقام لما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر يوم عرفة. قوله: (وجمع) بفتح الجيم وسكون الميم هي مزدلفة، وكأنه أشار بذلك إلى حديث ابن مسعود الذي ذكره في كتاب الحج وفيه: أنه صلى المغرب بأذان وإقامة. ، والعشاء بأذان وإقامة، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. قوله: (وقول المؤذن) هو بالخفض أيضا. الحديث: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ الشرح: وقد تقدم الكلام على حديث أبي ذر مستوفى في " باب الإبراد بالظهر " في المواقيت، وفيه البيان أن المؤذن هو بلال وأنه أذن وأقام، فيطابق هذه الترجمة. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ أَتَى رَجُلَانِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدَانِ السَّفَرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَنْتُمَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا الشرح: قوله: (باب بين كل أذانين صلاة) تقدم الكلام على فوائده قبل باب، وترجم هنا بلفظ الحديث، وهناك ببعض ما دل عليه. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا رَفِيقًا فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدْ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدْ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لَا أَحْفَظُهَا وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ الشرح: (تنبيه) : وقع هنا في رواية أبي الوقت " حدثنا محمد بن المثني حدثنا عبد الوهاب عن أيوب " فذكر حديث مالك بن الحويرث مطولا نحو ما مضى في الباب قبله، وسيأتي بتمامه في " باب خبر الواحد"، وعلى ذكره هناك اقتصر باقي الرواة. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ ثُمَّ قَالَ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ الشرح: قوله: (حدثنا يحيى) هو القطان. قوله: (بضجنان) هو بفتح الضاد المعجمة وبالجيم بعدها نون على وزن فعلان غير مصروف، قال صاحب الصحاح وغيره: هو جبل بناحية مكة. وقال أبو موسى في ذيل الغريبين: هو موضع أو جبل بين مكة والمدينة. وقال صاحب المشارق ومن تبعه: هو جبل على بريد من مكة. وقال صاحب الفائق: بينه وبين مكة خمسة وعشرون ميلا، وبينه وبين وادي مريسعة أميال. انتهى. وهذا القدر أكثر من بريدين. وضبطه بالأميال يدل على مزيد اعتناء، وصاحب الفائق ممن شاهد تلك الأماكن واعتنى بها، خلاف من تقدم ذكره ممن لم يرها أصلا. ويؤيده ما حكاه أبو عبيد البكري قال: وبين قديد وضجنان يوم. قال معبد الخزاعي: قد جعلت ماء قديد موعدي وماء ضجنان لها ضحى الغد قوله: (وأخبرنا) أي ابن عمر. قوله: (كان يأمر مؤذنا) في رواية مسلم كان يأمر المؤذن. قوله: (ثم يقول على أثره) صريح في أن القول المذكور كان بعد فراغ الأذان. وقال القرطبي: لما ذكر رواية مسلم بلفظ " يقول في آخر ندائه " يحتمل أن يكون المراد في آخره قبيل الفراغ منه، جمعا بينه وبين حديث ابن عباس. انتهى. وقد قدمنا في " باب الكلام في الأذان " عن ابن خزيمة أنه حمل حديث ابن عباس على ظاهره، وأن ذلك يقال بدلا من الحيعلة نظرا إلى المعنى لأن معنى " حي على الصلاة " هلموا إليها، ومعنى " الصلاة في الرحال " تأخروا عن المجيء ولا يناسب إيراد اللفظين معا لأن أحدهما نقيض الآخر ا ه. ويمكن الجمع بينهما، ولا يلزم منه ما ذكر بأن يكون معنى الصلاة في الرحال رخصة لمن أراد أن يترخص، ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل الفضيلة ولو تحمل المشقة. ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فمطرنا، فقال: ليصل من شاء منكم في رحله. قوله: (في الليلة الباردة أو المطيرة) قال الكرماني فعيلة بمعنى فاعلة، وإسناد المطر إليها مجاز، ولا يقال إنها بمعنى مفعولة - أي ممطور فيها - لوجود الهاء في قوله مطيرة إذ لا يصح ممطورة فيها ا ه. ملخصا. وقوله: (أو) للتنويع لا للشك، وفي صحيح أبي عوانة " ليلة باردة أو ذات مطر أو ذات ريح " ودل ذلك على أن كلا من الثلاثة عذر في التأخر عن الجماعة، ونقل ابن بطال فيه الإجماع، لكن المعروف عند الشافعية أن الريح عذر في الليل فقط، وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل، لكن في السنن من طريق ابن إسحاق عن نافع في هذا الحديث " في الليلة المطيرة والغداة القرة"، وفيها بإسناد صحيح من حديث أبي المليح عن أبيه " أنهم مطروا يوما فرخص لهم " ولم أر في شيء من الأحاديث الترخص بعذر الريح في النهار صريحا، لكن القيام يقتضي إلحاقه، وقد نقله ابن الرفعة وجها. قوله: (في السفر) ظاهره اختصاص ذلك بالسفر، ورواية مالك عن نافع الآتية في أبواب صلاة الجماعة مطلقة، وبها أخذ الجمهور، لكن قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضي أن يختص ذلك بالمسافر مطلقا، ويلحق به من تلحقه بذلك مشقة في الحضر دون من لا تلحقه، والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ فَجَاءَهُ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَرَجَ بِلَالٌ بِالْعَنَزَةِ حَتَّى رَكَزَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ الشرح: قوله: (حدثنا إسحاق) وقع في رواية أبي الوقت أنه ابن منصور، وبذلك جزم خلف في الأطراف، وقد تردد الكلاباذي هل هو ابن إبراهيم أو ابن منصور، ورجح الجياني أنه ابن منصور واستدل على ذلك بأن مسلما أخرج هذا الحديث بهذا الإسناد عن إسحاق بن منصور. قوله: (فآذنه بالصلاة ثم خرج بلال) اختصره المصنف، وقد أخرجه الإسماعيلي من طرق عن جعفر ابن عون فقال بعد قوله بالصلاة " فدعا بوضوء فتوضأ " فذكر القصة. قوله: (وأقام الصلاة) اختصر بقيته، وهي عند الإسماعيلي أيضا وهي " وركزها بين يديه والظعن يمرون " الحديث، وقد قدمنا الكلام عليه في " باب سترة الإمام سترة لمن خلفه". قوله: (بالأبطح) هو موضع معروف خارج مكة، وقد بيناه في ذلك الباب، وفهم بعضهم أن المراد بالأبطح موضع جمع لذكره لها في الترجمة، وليس ذلك مراده، بل بين جمع والأبطح مسافة طويلة، وإنما أورد حديث أبي جحيفة لأنه يدخل في أصل الترجمة وهي مشروعية الأذان والإقامة للمسافرين. *3* وَيُذْكَرُ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ جَعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَجْعَلُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَقَالَ عَطَاءٌ الْوُضُوءُ حَقٌّ وَسُنَّةٌ وَقَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ الشرح: قوله: (باب هل يتتبع المؤذن فاه هاهنا وهاهنا) هو بياء تحتانية ثم بتاءين مفتوحات ثم بموحدة مشددة من التتبع. وفي رواية الأصيلي " يتبع " بضم أوله وإسكان المثناة وكسر الموحدة من الاتباع، والمؤذن بالرفع لأنه فاعل التتبع، وفاه منصوب على المفعولية، و " هاهنا وهاهنا " ظرفا مكان والمراد بهما جهتا اليمين والشمال كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الكلام على الحديث. وقال الكرماني: لفظ المؤذن بالنصب وفاعله محذوف تقديره الشخص ونحوه، وفاه بالنصب بدل من المؤذن، قال: ليوافق قوله في الحديث " فجعلت أتتبع فاه " ا ه. وليس ذلك بلازم، لما عرف من طريقة المصنف أنه لا يقف مع اللفظ الذي يورده غالبا بل يترجم له ببعض ألفاظه الواردة فيه، وكذا وقع هاهنا، فإن في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عند أبي عوالة في صحيحه " فجعل يتتبع بفيه يمينا وشمالا". وفي رواية وكيع عن سفيان عند الإسماعيلي " رأيت بلالا يؤذن يتتبع بفيه " ووصف سفيان يميل برأسه يمينا وشمالا، والحاصل أن بلالا كان يتتبع بفيه الناحيتين، وكان أبو جحيفة ينظر إليه فكل منهما متتبع باعتبار. قوله: (وهل يلتفت في الأذان) يشير إلى ما قدمناه في رواية وكيع وفي رواية إسحاق الأزرق عن سفيان عند النسائي " فجعل ينحرف يمينا وشمالا " وسيأتي في رواية يحيى بن آدم بلفظ " والتفت". قوله: (ويذكر عن بلال أنه جعل إصبعيه في أذنيه) يشير بذلك إلى ما وقع في رواية عبد الرزاق وغيره عن سفيان كما سنوضحه بعد. قوله: (وكان ابن عمر الخ) أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن طريق نسير وهو بالنون والمهملة مصغر ابن ذعلوق بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة وضم اللام عن ابن عمر. قوله: (وقال إبراهيم) يعني النخعي الخ وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن جرير عن منصور عنه بذلك وزاد " ثم يخرج فيتوضأ ثم يرجع فيقيم". قوله: (وقال عطاء الخ) وصله عبد الرزاق عن ابن جرير قال " قال لي عطاء: حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن المؤذن إلا متوضئا، هو من الصلاة، هو فاتحة الصلاة " ولابن أبي شيبة من وجه آخر عن عطاء " أنه كره أن يؤذن الرجل على غير وضوء " وقد ورد فيه حديث مرفوع أخرجه الترمذي والبيهقي من حديث أبي هريرة وفي إسناده ضعف. قوله: (وقالت عائشة) تقدم الكلام عليه في " باب تقضي الحائض المناسك " من كتاب الحيض، وأن مسلما وصله. وفي إيراد البخاري له هنا إشارة إلى اختيار قول النخعي، وهو قول مالك والكوفيين لأن الأذان من جملة الأذكار فلا يشترط فيه ما يشترط في الصلاة من الطهارة ولا من استقبال القبلة، كما لا يستحب فيه الخشوع الذي ينافيه الالتفات وجعل الإصبع في الأذن، وبهذا تعرف مناسبة ذكره لهذه الآثار في هذه الترجمة ولاختلاف نظر العلماء فها أوردها بلفظ الاستفهام ولم يجزم بالحكم. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى بِلَالًا يُؤَذِّنُ فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا بِالْأَذَانِ الشرح: قوله: (حدثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي، وسفيان هو الثوري. قوله: (هاهنا وهاهنا بالأذان) كذا أورده مختصرا، ورواية وكيع عن سفيان عند مسلم أتم حيث قال " فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يمينا وشمالا يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح " وهذا فيه تقييد للالتفات في الأذان وأن محله عند الحيعلتين، وبوب عليه ابن خزيمة " انحراف المؤذن عند قوله حي على الصلاة حي على الفلاح بفمه لا ببدنه كله " قال: وإنما يمكن الانحراف بالفم بانحراف الوجه، ثم ساقه من طريق وكيع أيضا بلفظ " فجعل يقول في أذانه هكذا، ويحرف رأسه يمينا وشمالا " وفي رواية عبد الرزاق عن الثوري في هذا الحديث زيادتان: إحداهما الاستدارة، والأخرى وضع الإصبع في الأذن، ولفظه عند الترمذي " رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع فاه هاهنا وهاهنا وإصبعاه في أذنيه " فأما قوله " ويدور " فهو مدرج في رواية سفيان عن عون، بين ذلك يحيى بن آدم عن سفيان عن عون عن أبيه قال " رأيت بلالا أذن فأتبع فاه هاهنا وهاهنا والتفت يمينا وشمالا " قال سفيان: كان حجاج - يعني ابن أرطاة - يذكر لنا عن عون أنه قال " فاستدار في أذانه " فلما لقينا عونا لم يذكر فيه الاستدارة، أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من طريق يحيى بن آدم، وكذا أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان، لكن لم يسم حجاجا، وهو مشهور عن حجاج أخرجه ابن ماجه وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم من طريقه ولم ينفرد به بل وافقه إدريس الأودي ومحمد العرزمي عن عون، لكن الثلاثة ضعفاء، وقد خالفهم من هو مثلهم أو أمثل وهو قيس بن الربيع فرواه عن عون فقال في حديثه " ولم يستدر " أخرجه أبو داود، ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عني استدارة الرأس، ومن نفاها عني استدارة الجسد كله. ومشى ابن بطال ومن تبعه على ظاهره فاستدل به على جواز الاستدارة بالبدن كله، قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على استدارة المؤذنين للإسماع عند التلفظ بالحيعلتين، واختلف هل يستدير ببدنه كله أو بوجهه فقط وقدماه قارتان مستقبل القبلة؟ واختلف أيضا هل يستدير في الحيعلتين الأوليين مرة وفي الثانيتين مرة، أو يقول حي على الصلاة عن يمينه ثم حي على الصلاة عن شماله وكذا في الأخرى؟ قال: ورجح الثاني لأنه يكون لكل جهة نصيب منهما، قال: والأول أقرب إلى لفظ الحديث. وفي المغني عن أحمد: لا يدور إلا إن كان على منارة يقصد إسماع أهل الجهتين. وأما وضع الإصبعين في الأذنين فقد رواه مؤمل أيضا عن سفيان أخرجه أبو عوانة، وله شواهد ذكرتها في " تعليق التعليق " من أصحها ما رواه أبو داود وابن حبان من طريق أبي سلام الدمشقي أن عبد الله الهوزني حدثه قال: قلت لبلال كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فذكر الحديث وفيه " قال بلال: فجعلت إصبعي في أذني فأذنت " ولابن ماجه والحاكم من حديث سعد القرظ " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يجعل إصبعيه في أذنيه " وفي إسناده ضعف، قال العلماء في ذلك فائدتان: إحداهما أنه قد يكون أرفع لصوته، وفيه حديث ضعيف أخرجه أبو الشيخ من طريق سعد القرظ عن بلال، ثانيهما أنه علامة للمؤذن ليعرف من رآه على بعد أو كان به صمم أنه يؤذن، ومن ثم قال بعضهم: يجعل يده فوق أذنه حسب، قال الترمذي: استحب أهل العلم أن يدخل المؤذن إصبعيه في أذنيه في الأذان، قال: واستحبه الأوزاعي في الإقامة أيضا.
(تنبيه) : لم يرد تعيين الإصبع التي يستحب وضعها، وجزم النووي أنها المسبحة، وإطلاق الإصبع مجاز عن الأنملة. (تنبيه آخر) : وقع في المغني للموفق نسبة حديث أبي جحيفة بلفظ " أن بلالا أذن ووضع إصبعيه في أذنيه " إلى تخريج البخاري ومسلم، وهو وهم، وساق أبو نعيم في المستخرج حديث الباب من طريق عبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق عن سفيان بلفظ عيد الرزاق من غير بيان فما أجاد، لإيهامه أنهما متوافقتان، وقد عرفت ما في رواية عبد الرزاق من الإدراج، وسلامة رواية عبد الرحمن من ذلك، والله المستعان.
|